إعلان 20-05-2025

في رحاب الذاكرة الوطنية: جامعة تلمسان تخلّد تضحيات 19 ماي 1956

في أجواء وطنية يطغى عليها عبق الفخر وروح الانتماء، احتضنت جامعة تلمسان اليوم الإثنين 19 ماي 2025، فعالية مميّزة لإحياء الذكرى التاسعة والستين ليوم الطالب، ذلك الحدث الخالد الذي يُعيد إلى الأذهان تضحيات نخبة من خيرة أبناء الجزائر الذين، في التاسع عشر من ماي سنة 1956، آثروا مغادرة مقاعد الدراسة والاستجابة لنداء الوطن، فكانوا بذلك لبِنةً صلبة في صرح الثورة التحريرية المجيدة.
اكتست الجامعة بهذه المناسبة حُلّةً رمزية استثنائية، حيث ازدانت أروقتها وأفنيتها بألوان العلم الوطني، وتخلّلت نسمات الصباح الربيعي ساحة "19 ماي" في قطب إمامة – بوهناق، مستحضرة روح أولئك الذين منحوا للعلم وللوطن معًا معناهما الأسمى، وشهدت الفعالية حضورًا نوعيًا تمثل في المفتش العام لولاية تلمسان ممثلًا عن السيد الوالي، إلى جانب السلطات المحلية المدنية والعسكرية، وأفراد من الأسرة الثورية والجامعية، يتقدمهم الأستاذ مراد مغاشو مدير الجامعة، فضلًا عن عدد من الأساتذة والطلبة وممثلين عن المجتمع المدني والمنظمات الطلابية.
انطلقت مراسيم إحياء الذكرى برفع العلم الوطني على أنغام النشيد الرسمي وقراءة فاتحة الكتاب ترحّماً على أرواح الشهداء، في مشهد مهيب أعاد إلى النفوس هيبة التاريخ ومهابة الذكرى، قبل أن ينتقل الحضور إلى المكتبة المركزية حيث أقيم معرض علمي ثري من تنظيم النوادي الطلابية، إلى جانب ركن خاص بالمتحف الجهوي لولاية تلمسان، أتاح للحضور الاطلاع على شواهد تاريخية توثّق لذاكرة وطنية حية.
توالت الفعاليات داخل قاعة "19 ماي 1956"، التي احتضنت كلمات مؤثرة حملت بين طيّاتها رسائل مفعمة بحب الوطن والدعوة إلى ترسيخ الوعي الطلابي بالتاريخ والمسؤوليات الوطنية، حيث عبّر مدير الجامعة الأستاذ مراد مغاشو في كلمته، عن أهمية هذه المحطة التاريخية باعتبارها فرصة لتجذير الحس الوطني في أوساط الطلبة، مشددًا على ضرورة استثمار طاقة الشباب في مشاريع علمية وأكاديمية قادرة على الدفع بعجلة التنمية الوطنية نحو الأمام.
من جهته، ألقى الأستاذ بونوار بن صايم نائب مدير الجامعة للتكوين العالي في الطورين الأول والثاني والتكوين المتواصل والشهادات وكذا التكوين العالي في التدرج كلمة رئيس الجمهورية، التي جاءت لتؤكد التزام الدولة الجزائرية بإحياء الذاكرة التاريخية وتثمين الدور المحوري للطلبة في بناء الوطن، تلتها كلمة مؤثرة لممثل الأسرة الثورية ذكّر فيها بمعاني النضال والتضحية، مستحضرًا مواقف مشرقة من تاريخ الجزائر الثوري.
أما ممثل الطلبة، فقد عبّر في مداخلته عن فخر واعتزاز الجيل الحالي بما قدمه أسلافهم من تضحيات، مؤكدًا أن دور الطالب الجزائري لم يتوقف عند لحظة تاريخية معينة، بل تطور في إطار متجدد ليواكب متطلبات التنمية ويكون شريكًا فاعلًا في بناء الوطن، كل من موقعه العلمي والمعرفي، وتوّج هذا المسار بكلمة للمفتش العام للولاية نيابة عن السيد الوالي، شدد فيها على رمزية هذا اليوم الوطني، مشيرًا إلى أن الجزائر التي تحررت بوعي وإرادة شباب الأمس، تضع ثقتها اليوم في شباب الجامعة ليواصلوا حمل المشعل بنفس العزم والتفاني.
تخللت الفعالية محطة علمية وثقافية مميزة تمثلت في محاضرة تاريخية ألقاها الأستاذ أحمد جفال، قدّم خلالها قراءة معمّقة لإضراب 19 ماي 1956، متناولًا خلفياته السياسية وأبعاده الثورية، إضافة إلى ما يحمله من دلالات وطنية راسخة، ما ساهم في فتح آفاق من النقاش البنّاء وتعزيز الوعي التاريخي لدى الطلبة، وبعد المحاضرة استُكملت الأجواء بمداخلة شعرية وطنية لامست الوجدان، تلتها وصلة موسيقية قدّمتها فرقة "البصمة الفنية".
وفي ختام الحفل، تم تكريم عدد من الشخصيات والهيئات التي ساهمت بجهودها في إنجاح التظاهرة، إلى جانب أساتذة وطلبة تميزوا بمبادراتهم في مختلف المجالات، في لفتة تعكس اعتراف الجامعة بالدور الحيوي الذي تلعبه نخبتها في إغناء الحياة الجامعية وتعزيز روح المبادرة والانتماء.
بتنظيم مثل هذه الفعاليات، تؤكد جامعة تلمسان أن استحضار التاريخ ليس مجرد ترف احتفالي أو واجب بروتوكولي، بل هو فعلٌ واعٍ ومتجدد يرمي إلى استلهام القيم الوطنية الأصيلة وتوجيه البوصلة نحو مستقبل يليق بذاكرة من صنعوا المجد، ويليق بأجيال تُعوّل عليها الأمة لمواصلة المسيرة في ميادين العلم، الفكر، والإبداع.